ثورة محمد بن يوسف الفهري سنة 168هـ 784م | عندما أعلن دولتهم وظهروا على خرج أبوه وأخته أم الأصبغ وخادمه بدراً وبعض خدم أم الأصبغ ومعهم سليمان إلى الشام حيث يتواجد إخوة عبد الرحمن الوليد وأبان وطلب منهما الخروج معهم إلى عدوة المغرب ومن ثم إلى الأندلس لينجوا جميعا من بطش بنى العباس إلا أن أبان بن معاوية أخيه رفض وأعطاه إبنه عبيدة ليرعاه ورفض الخروج هرباً, فخرج عبد الرحمن بأخوه الوليد واخته ومن معهم إلى حدود الشام حتى يتهيأالوقت المناسب للخروج، فأصاب عبد الرحمن الرمد في عينيه ولزم الدار التي اختبأوا بها حتى أتاه سليمان وكان صغيراً ابن 4 أو 5 سنوات وأشار إلى اللون الأسود الذي ربط به عبد الرحمن عينيه فعرف من هذه الإشارة أن أصحاب الرايات السوداء العباسيين قد أتوا فآخذ بعض الأموال وهرب وترك سليمان مع عمته لعلمه أنهم لا يقتلون النساء والأولاد ووعدهم بلقائهم حين تسنح الفرصة وكان ينوى الأندلس , وبالفعل تلاقى مع ولده سليمان بعد ظهوره في الأندلس على الأرجح عام 143هـ وكان قد بلغ مبلغ الشباب وقد أتى مع عمه الوليد وإبنه المغيرة وابن عمه الآخر عبيدة بن أبان بن معاوية وعاش في كنف أبيه فترة شبابه، ولكنه لم يكن على نفس قدر أخيه الصغير من حب التعلم وملازمة أبيه فتجاوزه أبوه حين أوصى عند وفاته بولاية العهد إلى أخيه الأصغر ، الذي كان حينها واليًا على ، وكلّف ابنه بأخذ البيعة لأخيه بعد وفاته إلى أن يصل إلى من ولايته |
---|---|
عندئذ، جاءته رسل مولاه بدر بثورة اليمانية بقيادة عبد الغافر اليحصبي وحيوة بن ملامس الحضرمي | ووقفة عادلة مع هذا الحدث وتحليله واستجلاء غوامضه نستطيع القول بأن الدولة العباسية قد أخطأت خطأ فاحشًا بحق الأمويين، وذلك بقتلهم وتتبعهم في البلاد بهذه الصورة الوحشية، فإذا كان الأمويين في آخر عهدهم قد فسدوا واستحقّوا الاستبدال فليكن تغييرهم، وليكن هذا الاستبدال، ولكن على نهج رسول الله صلى الله عليه و سلم |
رابعًا: حماية حدود دولته من أطماع الأعداء بالإضافة إلى إعداده جيشًا قويًّا - كما أوضحنا سابقًا- وتأمينًا لحدود دولته الجديدة قام عبد الرحمن الداخل بخوض مرحلتين مهمتين: المرحلة الأولى: كان عبد الرحمن الداخل يعلم أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في دولتي ليون في الشمال الغربي، وفرنسا في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، فقام بتنظيم الثغور في الشمال، ووضع جيوشًا ثابتةً على هذه الثغور المقابلة لهذه البلاد النصرانية، وهي: - الثغر الأعلى؛ وهو ثغر سَرَقُسْطَة في الشمال الشرقي في مواجهة فرنسا.
رابعًا: راسل كل الأمويين في كل الأماكن التي هربوا إليها يعرض عليهم فكرته، وأنه يعزم على دخول الأندلس ويطلب معونتهم ومددهم | وها هو - رحمه الله - يدخل عليه أحد الجنود ذات يوم كان قد انتصر فيه على النصارى، فتحدّث معه الجندي بأسلوب فيه رفع صوت وإساءة أدب، فما كان منه - رحمه الله - إلا أن أخذ يعلمه خطأه ويقول له: يا هذا، إني أعلمك من جهل، إنه يشفع لك في هذا الموقف هذا النصر الذي نحن فيه؛ فعليك بالسكينة والوقار؛ فإني أخاف أن تسيء الأدب في يوم ليس فيه نصر فأغضب عليك |
---|---|
إن معاوية نهض بمركب حمله عليه ، وذللا له صعبه | قبل القتال كان عبد الرحمن بن معاوية قد أرسل عدة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب ودّه، وأن يسلم له الإمارة، ويكون الفهري رجلًا من رجاله في بلاد الأندلس، بحكم أنه عبد الرحمن حفيد هشام بن عبد الملك من رموز الخلافة الأموية، لكن يوسف الفهري رفض كل ذلك، وجهز جيشًا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومن معه |
ولقد صدق من قال: حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر | وبدأ يعدّ العدّة، ويجهّز السفينة التي أخذته منفردًا إلى بلاد الأندلس |
---|---|
فهكذا رحمه الله كان ذو نظرة واسعة جدًا تشمل كل بلاد الأندلس، بل تشمل كل أوروبا، بل إني أراه بذلك التفكير يستطيع أن يعيد ملك الشام بعد ذلك أيضًا إلى أملاك الأمويين، وذلك لما يلي: أولًا: ليس في قلبه غلّ ولا حقد على من كان حريصًا على قتله منذ ساعاتٍ قليلة | لم تكن هذه النبوءة الأولى التي أفصح عنها الأمير مسلمة إلى أخيه أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، فقد تنبأ زوال ملك الأمويين، بعدما شاهد في طالعه أمراء الأمويين غارقين في بحر من الدم، تهوي عليهم السيوف بلا رحمة |
ثانيًا: لأن الوضع في الأندلس ملتهب جدًا، وذلك على نحو ما ذكرنا في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وفي نهاية الفترة الثانية من عهد الولاة؛ ففي هذا الجوّ يستطيع عبد الرحمن بن معاوية أن يدخل هذه البلاد؛ ولو كانت تابعة للخلافة العباسية ما استطاع أن يدخلها، كما أنها لو كانت على فكر الخوارج ما استطاع أيضاً أن يدخلها؛ فكانت الأندلس أنسب البلاد له على وعورتها، واحتدام الثورات فيها.