ولم يثن من عزمهم مَنعة حصونهم، بل تحركوا إلى تملؤهم الثقة بالله، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، وتدفعهم الصافية وإخلاصهم لإعلاء كلمة ، فانطلقوا مهللين مكبرين رافعين أصواتهم بذلك، حتى أمرهم رسول الله أن يرفقوا بأنفسهم، وقال لهم: "إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم" | إن هذه الغزوة توضح معلمًا عامًا لخطة لتوحيد تحت راية ، وتحويلها إلى قاعدة لنشر في العالمين، فقد خطط محمد ألا يسير إلى إلا بعد أن يكون قد مهد شمال إلى حدود ، وأن تكون الخطوة الأخيرة هي الاستيلاء على وغيرها من المراكز اليهودية شمال الحجاز وخاصة خيبر وفدك ؛ ليحرم القبائل المحيطة به من أي مركز يمكن أن يعتمدوا عليه في مهاجمة الناشئة |
---|---|
ويدل على كثرة ما رواه عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا ، وما رواه عن قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من ، ولما رجع النبي إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل | أما فلم يجترئوا للخروج من الحصن، وللاشتباك مع قوات المسلمين، ولكنهم قاوموا مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة |
كانت هي وكر الدس والتآمر، ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة ، فلا ننسى أن أهل هم الذين حزبوا الأحزاب ضد ، وأثاروا على والخيانة، ثم أخذوا في الاتصال - الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي - وبغطفان وأعراب البادية، وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال، وقد عاش بسببهم محنًا متواصلة، اضطرت المسلمين إلى الفتك ببعض رؤوسهم أمثال سلام بن أبي الحقيق وأسير بن زارم، ولكن كان لابد من عمل أكبر من ذلك إزاء هؤلاء ، وما كان يمنع النبي من مجابهتهم إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألد ألا وهو.
16نوافل مطلقة غير مقيّدة بوقت النوافل المطلقة غير المقيّدة بوقت هي النّوافل التي تُصلى بأي عددٍ وتصلّى بأيّ وقتٍ إلا أوقات الكراهة الخمسة؛ وهي: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ومن طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح في السماء، وعند قيام الشمس حتى تزول، ومن صلاة العصر إلى غروبها، وإذا بدأت بالغروب حتى يتمّ، وليس لها عددٌ محدّد، ولا وقتٌ محدّد، ولا مكانٌ محدّد، ولا تُشرع لحالٍ محدّد، وهي مشروعةٌ للمسافر والمقيم، ولا بدّ لها من ، فينوي المصلي قبل الشروع فيها، ويجوز له جمعها مع غيرها من النوافل، كأن يجمعها مثلاً مع سنّة المغرب | ، إلى أن قال لها النبيّ: وذَاكَ ضُحًى ، وقت صلاة الخسوف والكسوف يبدأ وقت صلاة الخسوف عند بدء خسوف القمر، ويستمرّ إلى أن يذهب الخسوف، ويبدأ وقت صلاة الكسوف عند بدء كسوف الشمس، ويستمرّ إلى أن يذهب الكسوف، سواءً ذهب الضوء كلياً أم جزئيّاً، وتُصلّى الصلاتان خلال وقتهما، فكما نرى ليس وقت محدّد، بل ما يحدّده هو حدوث الكسوفِ أو الخسوف بغضِ النظرِ عن الوقت |
---|---|
واختلف أهل هل جري هناك في أي من حصونها الثلاثة أم لا؟ فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص، بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك مفاوضة للاستسلام | وخرج أخو مرحب -وكان اسمه ياسرًا وكان يريد الثأر لأخيه، وكان من عمالقة أيضًا- يطلب القتال، فخرج له ، واستطاع أن يقتل ياسرًا أخا مَرْحب، وكان ذلك بداية الانتصار للمسلمين |
ولكن ما حدث كان في الحقيقة أزمة، وحدث نوع من الهزَّة عند ، وارتفعت الروح المعنوية عند ، ووقف مَرْحَب القائد اليهودي يطلب القتال من جديد بعد أن ارتفعت معنوياته في هذه اللحظات الأولى من ، فخرج له البطل الإسلامي حاملًا راية في غزوة ، ودار بينهما قتال شديد عنيف، ثم مَنَّ على بالنصر، كما تنبأ بذلك ، وقتل مَرْحبًا، وكان قتله إشارة كبيرة إلى أن النصر سيكون للمسلمين إن شاء الله؛ لأن هذا الرجل كان أقوى رجلٍ في ، وكان اليهود لا يتخيلون أبدًا أن يقتله أحدٌ من المسلمين.
26