فَلَمَّا كَانَ الصَّدْرُ حَاوِيًا لِلْقَلْبِ جَعَلَ الرَّبِيعَ فِي الْقَلْبِ وَالنُّورَ فِي الصَّدْرِ لِانْتِشَارِهِ كَمَا فَسَّرَتْهُ الْمِشْكَاةُ ; فِي قَوْلِهِ : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } وَهُوَ الْقَلْبُ | وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ ; لِأَنَّهُ مَا مِنْ حَيٍّ إلَّا وَهُوَ شَاعِرٌ مُرِيدٌ فَاسْتَلْزَمَ جَمِيعَ الصِّفَاتِ فَلَوْ اكْتَفَى فِي الصِّفَاتِ بِالتَّلَازُمِ لَاكْتَفَى بِالْحَيِّ وَهَذَا يَنْفَعُ فِي الدَّلَالَةِ وَالْوُجُودِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ مَعْنَى الْعَالِمِ هُوَ مَعْنَى الْمُرِيدِ فَإِنَّ الْمَلْزُومَ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ اللَّازِمِ وَإِلَّا فَالذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ |
---|---|
ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو | فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ جَمَعَ فِي الْمَطْلُوبِ لَنَا بَيْنَ مَا يُوجِبُ الْحَيَاةَ وَالنُّورَ فَقَطْ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَيَاةِ أَوْ الِازْدِيَادِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْأَحْيَاءَ الْآدَمِيِّينَ فِيهِمْ مَنْ يَهْتَدِي إلَى الْحَقِّ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي |
ـ هو العلي العظيم، أي أن الله صاحب العلو المطلق بعلو الذات والصفات.
13أَمَّا النُّورُ فَإِنَّهُ يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ عَنْ مَحَلِّهِ | الرَّبِيعُ : هُوَ الْمَطَرُ الْمُنْبِتُ لِلرَّبِيعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ : { اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا رَبِيعًا مُرْبِعًا } وَهُوَ الْمَطَرُ الوسمي الَّذِي يَسِمُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ : { الْقُرْآنُ رَبِيعٌ لِلْمُؤْمِنِ } |
---|---|
ـ من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه، حيث يأذن الله للشفعاء أن يشفعوا فلا يستطيع أن يشفع إلا بأذنه، وهو رد على المشركين الذين اتخذوا شفعاء من دون فانصرفوا إلى عبادتهم | وَالْحَيَاةُ وَالنُّورُ جِمَاعُ الْكَمَالِ كَمَا قَالَ : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } وَفِي خُطْبَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى ; لِأَنَّهُ بِالْحَيَاةِ يَخْرُجُ عَنْ الْمَوْتِ وَبِالنُّورِ يَخْرُجُ عَنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ فَيَصِيرُ حَيًّا عَالِمًا نَاطِقًا وَهُوَ كَمَالُ الصِّفَاتِ فِي الْمَخْلُوقِ |
ـ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، أي أن الله عالم بالكل وهو دليل على إحاطة علمه بجميع المخلوقات في الماضي والحاضر والمستقبل، وبعلمه بالكليات والدقائق والجزئيات، ويعلم أحوال خلقه جميعها | ثُمَّ قَوْلُهُ : { رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي } لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : الْحَيَا لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ ; بَلْ إذَا نَزَلَ الرَّبِيعُ بِأَرْضِ أَحْيَاهَا |
---|---|
وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : سمعت يقول اقرؤوا القران فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه | فَالْهِدَايَةُ كَمَالُ الْحَيَاةِ وَأَمَّا الْقُدْرَةُ فَشَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ لَا فِي السَّعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ فَقْدُهَا وَنُورُ الصَّدْرِ يَمْنَعُ أَنْ يُرِيدَ سِوَاهُ |
وَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْكُرَبِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ :.
27