كما وصفهم بالفصاحة وذرابة اللسان فقال: وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ لحلاوة منطقهم وحسن توقيع حديثهم فإذا سمعهم سامع أحب أن يصفى إليهم، وأن يطول حديثهم جهد الاستطاعة | ففي هذه الحالة لم يكن من الهين أن يقف الذين لم يؤمنوا به إما عن جهالة وغباء، وإما عن غيظ وحقد وعناد، لأنهم رأوا في قدوم النبي حداً لنفوذهم وسلطانهم موقف الجحود والعداء العلني للنبي والمسلمين من المهاجرين والأنصار؛ وكان للعصبية في الوقت نفسه أثر غير قليل في عدم الوقوف هذا الموقف، لأن سواد الأوس والخزرج أصبحوا أنصار النبي، ومرتبطين به بمواثيق الدفاع والنصر، إلى أن جلهم قد حسن إسلامهم، وغدوا يرون في النبي رسول الله، وقائدهم الأعلى الواجب الطاعة، ومرشدهم الأعظم الواجب الاتباع، فلم يكن يسع الذين ظلت تغلبهم نزعة الشرك، ويتحكم فيهم مرض القلب والمكابرة والحقد، ويحملهم ذلك على مناوأة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ونفوذه أن يظهروا علناً في نزعتهم وعدائهم، ولم يكن أمامهم إلا التظاهر بالإسلام، والقيام بأركانه، والتضامن مع قبائلهم |
---|---|
{ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } وذلك في غزوة المريسيع، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار، بعض كلام كدر الخواطر، ظهر حينئذ نفاق المنافقين، وأظهروا ما في نفوسهم | وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُمر ألا يصلي على أحد منهم مات أبداً |
فهؤلاء { هُمُ الْعَدُوُّ } على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين، { فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، واتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء.
28وحلفهم كذباً ليصدقهم المسلمون، واتخاذهم هذه الأيمان وقاية وجنة يخفون وراءها حقيقة أمرهم، ويخدعون المسلمين فيهم:{إذا جآءك المنافقون قالوا: نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون | فَقَالَ : وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ ؟! ويضم الله سبحانه رسوله والمؤمنين إلى جانبه، ويضفي عليهم من عزته، وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله! وهي مجموعة من الصفات اشتهر بها المنافقون:{وإذا قيل لهم: تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءُوسهم، ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون |
---|---|
فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل | فلما قبض صلى الله عليه وسلم كان حذيفة لا يصلي على من عرف أنه منهم |
مشهد الرجل المؤمن عبد الله بن عبد الله بن أبي.