خير جليس في الأنام كتاب
لقد استنبط -رحمه الله- طريقة مبتكرة في كتابة السيرة الذاتيَّة! وإذا كنا نحن المسلمين قد خلقنا لغاية جليلة وهدف سام رفيع وهو عبادة الله تعالى مصداقا لقوله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فإن الكتاب الذي نرنو إليه ونصبو إلى قراءته ليل نهار هو " القرءان الكريم " كلام الله تعالى المعجز المتعبد بتلاوته , الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه , فهو أنيس القلوب , والسعادة للمؤمن في الدنيا والآخرة , ولا يعني ذلك بأية حال أن نضع غشاوة على أبصارنا لئلا نرى كتبا ألفها البشر , فحاشا ديننا الحنيف أن يدعونا إلى ذلك , لأنه ليس طقوسا وممارسات وشعائر فحسب , بل هو دعوة صريحة إلى الأخذ بأسباب الحياة , ويجعل منها معبرا وجسرا إلى الآخرة , وهي ميدان رحب وواسع يتنافس فيه البشر لبناء حياتهم وإقامة شرع الله فيها , لأن فلسفة الإسلام تنطلق من الأخذ بعلوم الدين والدنيا , لتحقيق عملية التوازن في الإنسان , فهو مخلوق من تراب ونفخة من روح الله , إن المسلم الصادق الأمين هو الذي يوظف مجالات المعرفة المختلفة التي تضمها الكتب , يوظفها لخدمة الدين , ويكرسها لرعاية العقيدة وحفظها من الضياع أو النسيان أو تحريفها وتشويهها , لتحقيق مغزى المقولة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا , واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا " إن ما دفعني للحديث حول هذا الموضوع ما أراه وما اسمعه عن كثير من شباب المسلمين الذين ما عاد الكتاب خير جليس لديهم , وراحوا يتجاوزونه إلى اختيار مقاهي الإنترنت للدخول إلى المواقع اللاهية والماجنة , ويظل هؤلاء يسهرون إلى ساعة متأخرة من الليل , ثم يغادرون إلى منازلهم ليناموا إلى منتصف النهار , فيضيعوا الصلوات المكتوبات ولا هم لهم سوى العبث واللهو , ولعلك أخي المسلم تشاهد منظرا آخر لا يقل إيلاما عن الأول , شباب يلهون وينسون ذكر الله من خلال العاب الشدة بمختلف ألوانها وأطيافها وأنواعها , تراهم مرتمين في زوايا الحجرات ومقاهي الأزقة والحارات , وإذا انتقلنا إلى مشهد آخر , شباب لا تحلو مجالسهم إلا على أرصفة الطرقات ليل نهار يراقبون حركة الناس , ولا هم لهم سوى القال والقيل وقدح الأعراض وشتم الأبرياء , والتعرض والتحرش بالفتيات , ولعل الأكثر إيلاما وجرحا ما نشاهده على شاشات الفضائيات من شباب يتسكعون على شواطئ البحار يحيون المهرجانات بالعزف والرقص والغناء, إحياء لأعياد الميلاد أو عيد ميلاد طفل أو فرح بنجاح أو فرح بخطوبة أو زواج , أو انتصار فريق كرة قدم على الآخر في دولة صديقة أو شقيقة أو أجنبية ,ولعل أقصى الأماني عند بعض الشباب ألا يفتح كتابا في أي موضوع كان , والأكثر حزنا وقسوة إذا تجوّلت في المدارس أو الكليات أو الجامعات أو إحدى المؤسسات تنظر بعينيك إلى الطوابر المصطفة والمكتظة لتناول وجبة الإفطار ووجبة الغداء ,في المطاعم وأماكن إعداد الوجبات السريعة , يمكثون بعد الغداء ساعات وساعات في زوايا المطاعم والحجرات يتحدثون بما لا يليق من الألفاظ والكلمات , وتنتهي المجالس في بعض الأحيان إلى مناوشات ومناورات يعقبها الخصام والضرب بالسكاكين والآلات والنهاية إلى السجن وبئس المصير , وربما إذا سوّلت لك نفسك بحضور معرض كتاب وأحصيت الذين يرتادون هذا المكان , لما تجاوز هذا العدد أصابع ما في اليدين , وإذا دعتك قدرتك للتوجه إلى إحدى المكتبات لعلك تجد نفسك الزائر الوحيد بين الرفوف , وستجد أن الغبار يلف الكتب في كل مكان , لم يعد الكتاب خير جليس في زمن العولمة وثورة المعلوماتية والتفجر العلمي والحضاري عند كثير من شباب العرب والمسلمين , لأنهم لم يفطنوا إلى قيمة الكتاب ومنزلته العالية , ولم يدركوا أنه سجل خالد لحضارة الأمة , وفيه قصص واقعية عن بطولات حقيقية سطرها المسلمون على مر التاريخ , وفيه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين والشيوخ والعلماء الذين أبدعوا واكتشفوا فخدموا الإنسانية بإنجازاتهم.
25
جريدة الجريدة الكويتية
تلك هي الصورة القاتمة التي يعيشها بعض الشباب فمن تائه في سراب الحياة الخادع , فتفرقت بهم السبل , فكانوا على هامش الحياة تجاوزوا طريق الحق وتطاولوا في أعمال الهدم والتخريب, وباعوا كل كتاب بثمن بخس, وكانوا فيه زاهدين وإلى غيره يتطلعون ويتمنون , تلك هي الفئة الضالة المتشبثة بالحياة ,أبت أن تحلق في المعالي ومنازل النجوم , وارتضت لنفسها الإنقياد لمتاع الدنيا الزائل , فكانت في الحضيض , وشتان بين الهمم العالية الشامخة شموخ النسور , وبين الخفافيش.
12