ومن أهمّ الصفات الجلية التي نقلت عن الرسل أولو العزم قوة تحملهم وصبرهم على مواجهة المشاق والمتاعب من أجل تبليغ الدعوة | سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام |
---|---|
تفاضل الأنبياء يُعدُ الأنبياء متساوين في الفضل من جِهةِ النُّبوة، ولكنّ التَّفاضل بينهم يكون في زيادة الأحوال، والخصائص، والمُعجزات، فمنهم من هو نبيٌّ، ومنهم من هو ، ومنهم من هو من أولي العزم من الرُّسل، وجاء في القُرآن والسُّنة بعضُ الأدلّة التي تُثبتُ هذا التّفاضل، كقولهِ -تعالى-: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ، وقولهِ -تعالى-: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وأمّا في فقد قال النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: فُضِّلْتُ علَى الأنْبِياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا ومَسْجِدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخَلْقِ كافَّةً، وخُتِمَ بيَ النَّبِيُّونَ | أمّا وقت مولده الشّريف فقد كان ما بين العام 2324 قبل الميلاد والعام 1850 قبل الميلاد، وورد في التّوراة أنّ ولادته كانت قبل 1900 عام قبل الميلاد |
بُعِث النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بلغ الأربعين، فدعا إلى الله بمكَّةَ ثلَاث عَشرة سنةً، وقد اشتد أذى قريش عليه وعلى من آمن به، فعُذّبوا أيما تعذيبٍ، وأوذُوا وصودرتْ أموالهم ومُنعوا من البيع والشراء والزواج أو التزويج من غيرهم حتى هاجر النبي وأصحابه هرباً من جور قريش إلى المدينة، وكان ذلك يوم الإثنين الثّاني عشر من شهر ربِيع الأوَّل، ودعا إلى الله في المدينة بعد ذلك عشرة أعوام.
وُلِد النبي -صلى الله عليه وسلم- صباح يوم الإثنين، التّاسع من ربيع الأوّل، الموافق للعشرين من نيسان، عام الفيل سنة 571م، وقيل: إن مولده كان يوم الإثنين الثّاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل سنة 570م، وقيل: كان مولده عام خمسمئة وتسعة وستين ميلادية | وقد قال العلماء في عدد أولي العزم بأنهم خمسة من الرُّسل، وهم: نوح عليه السلام، وإبراهيم الخليل عليه السلام، وموسى عليه السلام، وعيسى عليه السلام، ثُمّ خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فهم رسل كرام تحملوا أشد أنواع الأذى من أقوامهِم، ولكنهم صبروا أجمل الصبر وأكمله، فكانوا أهلاً للعزم والصبر والجد |
---|---|
ظل نوح يدعو قومه تسعمئة وخمسين سنة كما ورد بيانه في كتاب الله، وقد كان عمره قبل أن يُوحى إليه خمسين سنة، وقيل بل كان عمره حينها ثلاثمئة وستين سنة، وقيل أكثر من ذلك، ومكث بعد الطوفان في قومه ثلاثمئة وستين سنة كذلك، وقيل بل أكثر؛ وصل إلى مدة حياته ما يقارب ألفاً وسبعمئة وثمانين سنة، مكث معظمها في الدعوة إلى الله، ولقي ما لقي من الاستهزاء والتكذيب والتعذيب |
واصطلاحا المقصود فيها الانبياء والرسل الذين صبروا في سبيل الدعوة والرسالة التي بعثهم الله بها اكثر من غيرهم من الانبياء والرسل، وقد وجدوا سبيلا لاعلاء كلمة الله لانجاح الدعوة، واعتبرهم كثير من العلماء انهم انبياء الله ورسله جميعهم من اصحاب العزيمة والهمة في سبيل ابلاغ الدعوة، وهناك عدد كبير من الرسل والانبياء الذين تميزوا عن باقي الانبياء والرسل واجتباهم الله تعالى وميزهم عن غيرهم، وحقيقة التفضيل هذه ذكرها الله عز وجل في كتابه حيث قال: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ.
20تحمل إبراهيم — عليه السلام - في مرحلة الدعوة إلى الله من قومه معاناةً شديدة، ومما زاد معاناته وعذابه أنَّ والده كان يُناصر قومه عليه ويُجاهره العداء، فقد هدده بالرجم كما ورد في كتاب الله إن لم ينتهِ عما يدعو إليه من نبذ آلهته والإيمان بالله، كما أن قومه قاموا بتسفيهه وإهانته وتحقير ما يدعو إليه والتقليل من شأنه، ولكنه تحمل وتحمَّل كلَّ ذلك في سبيل الدعوة، حتى أقدم قومه مجتمعين على حرقه، وأعدوا لذلك العُدة إلا أنّ إرادة الله حالت دون ذلك، ومع كل ذلك فإن إبراهيم لم يرجع عن رسالته، ولم يقف عن السير في دعوته، بل تحمل واحتسب وأوكل أمره لله، وفوّض أمره له، حتى نجاه الله من قومه وجعله كليمه | وهم الرسل الذين أوردهم الله في آيات القرآن الكريم لذكرهم على نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يتخذهم أسوة ليسير على نهجهم وجاء قصصهم في القرآن الكريم |
---|---|
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ، لذلك كان هناك خمسةٌ من الرّسل اعتبرهم العلماء من احسن وأفضل الأنبياء والمرسلين، وما تبوؤا تلك الدّرجة وما استأهلوا تلك الصّفة إلا بسبب ما قدّموه وما بلذوه وما تحمّلوه من أقوامهم، وقد ذكرهم العلماء بالتّفصيل وهم خاتم النّبيين سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام وأنبياء الله نوح وموسى وإبراهيم وعيسى عليه احسن وأفضل الصّلاة والتّسليم | ما المقصود بأولي العزم قال الله -تعالى-: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، فالعزم هو القوّة، والتّصميم، والهمّة العالية، ويُراد بلفظ أُولُو الْعَزْمِ ؛ أصحاب الإرادة العظيمة والعزيمة القويّة في التّمسّك بدين الله -تعالى-، والسّعي لتبليغه على أكمل وجهٍ على نحوٍ أفضل من غيرهم من الأنبياء، وفسّره بعض العلماء بأنّهم الذين أمرَهم الله -تعالى- بالقتال، أو الأنبياء العرب، أو مَن حلّ به بلاء من غير ذنب، أو الأنبياء الذين صبروا وتحمّلوا أذى قومَهم دون جزعٍ وخوفٍ |
معجزات أولي العزم من الرسل 1- نوح عليه السلام هو أول أولي العزم من الرسل تاريخياً، وأرسله الله في قومه ألف سنة أو مايزيد، وحباه الله بمعجزة السفينة.
19