وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه العبارات : " هذا زمان أقشر " ، أو " الزمن غدار " ، أو " يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه " ؟ فأجاب : "هذه العبارات التي ذكرت في السؤال تقع على وجهين : الوجه الأول : أن تكون سبا وقدحا في الزمن : فهذا حرام ولا يجوز ؛ لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل ، فمن سبه فقد سب الله ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار | وقد يشابه بعض المسلمين المشركين في سبهم للدهر لا لاعتقادهم أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل؛ لكنه يسب الدهر لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرم ولا يصل إلى درجة الشرك؛ لأنه يعتقد أن الله هو الفاعل |
---|---|
الثالث : أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل ، بل يعتقد أن الله هو الفاعل ، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ; فهذا محرم ، ولا يصل إلى درجة الشرك ، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ; لأن حقيقة سبه تعود إلى الله - سبحانه - ; لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويُكَوِّن فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلا ، وليس هذا السب يُكَفِّر ; لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة " انتهى | وأما قول : "هذا الزمن غدار" فهذا سب ؛ لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز |
القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله.
ولم يقتصر هذا الخلل على بعض الدارسين لهذه العلوم، المغترّين ببعض النظريات الباطلة؛ بل تسلل ذلك إلى شباب المسلمين ونسائهم وأطفالهم في منازلهم عبر الفضائيات الخبيثة، في عرضٍ لبرامج علمية، تنسب ما يجري في الكون إلى الطبيعة، وإلى المعادلات التي يُبنى بعضها على بعض، بعيدًا عن التذكير بخلق الله تعالى وتدبيره؛ بل وُجِّه هذا الإفساد للأطفال عبر برامجهم، التي صنعت من أجلهم؛ حيث تتضمن رسومًا ومشاهد فيها إفساد للعقيدة والفطرة | حكم سب الدهر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمر خطير يرتكبه كثير من الناس وهو سب الزمان وسب اليوم ولا يعلمون حكم ذلك الفعل |
---|---|
وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر : فأجاب قائلا: سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام | الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن سب الدهر محرم شرعاً، سواء عبر عنه بالدهر أو الزمن أو اليوم أو الوقت، فقد جاء في الحديث القدسي: يقول الله تعالى: يؤذنيي ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار |
فكثير من المسلمين يغفل عن أهمية بناء التوحيد الصحيح في قلوب نسائه وأولاده ويتركهم لفطرتهم، وذلك لو صح فإنما يصح مع عدم وجود معاول الهدم والتدمير، والغزو الذي يقذف الشبهات، أما وقد وجـد ذلك، والحربُ على أشدها فـلا بد من تحصين المسلمين بالتوحيد الصحيح عن طريق التربية والتعليم؛ حتى تتأبى قلوبُهم على الشبهات، وتتكسر معاول التدمير على جدران العقيدة الصلبة الصحيحة، التي امتلأت بها قلوبُ المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً.
فكم من صاحب مال وجاه يتقلب في النعيم والملذات، إذا قال سُمع قوله، وإذا أشار فهمت إشارته، يتسابق الناس إلى إرضائه وكسبِ وده، إذا رآه الجاهلون تمنَّوْا مثل حياته ومعيشته؛ ولكن إذا رآه أهل الفراسة من الصالحين، أدركوا أنه يحمل في داخله بؤسًا يخفيه بابتسامة مصطنعة، وضحكة عالية، يقصد من إظهارها عدم مبالاته بأي شيء ما دام في نعيمه الزائف | |
---|---|
القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة : فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر ؛ لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً | الثَّالِثَةُ: أَنَّ السَّبَّ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ حَمِدُوا الدَّهْرَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ |
وذكر ما يحدث في الدهر ، وما تنزل فيه من مصائب ، وكوارث ، وتقلب أحوال الناس فيه بين الخير والشر لا يعد سباً للدهر ، كما سبق.
16