والأثر تشكيليا ليس فقط ما كان وما ينقله الفنان إلى سنده، بل أيضا ما يصنعه بيديه وما تصنعه الصدف اللونية والتركيبية في العمل الفني | وأيضا هو من نتاج الصدفة والتعمد خلال إنجاز العمل الفني |
---|---|
نحتاج إلى الحفر عميقا بتأن في تلك الكثبان الرملية ليبسم لنا حظ أثر مضمر ومستثير | إلا أنّ لأثر الصحراء قناصين محترفين، يتتبعون مسالكه ويدركون مساراته وتحولاته |
وإننا نعرف ونتعرف على الماضي من خلال الأثر، فهذا الأخير هو الذي يربطنا تاريخيا ومعرفيا بمن كانوا، يحمل بصماتهم وأفكارهم ومعارفهم ومعتقداتهم وحياتهم المعيشة وأحماضهم النووية، بل إستراتيجياتهم وتطلعاتهم.
13إنها أثر يسكن بيننا منذ القدم، أثر شكل معالم الفن الأولى | إنه الرابط بين الأزمان والأماكن، بكل ما يطالهما من تغيير ومحو |
---|---|
فالواقع هو ما يوجد وليس ما هو غائب |
يكمن سعي الحيسن إلى اتخاذ الأثر نهجا بصريا للتعبير عن رؤاه في كونه ابن الصحراء التي ترتبط بالمجرد والأفق المفتوح على كل الاحتمالات؛ فالصحراء نص مفتوح.
30كل هذا تزامن مع ظهور الفوتوغرافيا التي شكلت ثورة غير مسبوقة | تبدو الصحراء خاوية لا حياة فيها ولا شيء ظاهرا غير الخواء، لكن هذه الصورة تشبه القشرة المموهة، حيث تخفي الصحراء عوالم مدهشة، لا في ذاتها فقط بل خاصة في ما تمنحه للذوات من فتح لآفاق التأمل في الخارج الموضوعي والداخل الذاتي، فيما تؤسس نوعا من الرمزية التي تختل جذريا عما اعتدناه سواء فكريا أو جماليا أو في تشكلاتها المادية واللامادية؛ إنها عالم من الأسرار التي استفاد منها الفن التشكيلي الحديث بشكل بالغ وساهمت في ثورته التجريدية، كما سنرى في تجربة الفنان التشكيلي المغربي إبراهيم الحيسن |
---|---|
إبراهيم الحيسن مسكون إذن بهموم الأثر وعلاماته الدالة على ما كان وما سيكون، وما هو كائن أيضا، فالأثر لا يقيم في الماضي فحسب، بل إنه موجود هنا والآن، ويشير إلى ما سيأتي | لكن لماذا الأثر وليس شيئا آخر؟ جاء الحيسن إلى عوالم التشكيل من تخوم الصحراء، من أرض الأثر حيث يحيا ويموت، حيث يظهر ويختفي |
وحينما يختار الحيسن التجريد والأثر اشتغالا فهو يقيم قطائع مع كل تصوير يبتغي المحاكاة منهجا ولا يميل صوب إظهار اللامرئي، هذا الأخير الذي تعد الصحراء مكتنزة به، غير أنه يصعب في الكثير من الأحيان القبض على الأثر بين حبات الرمال.
28