وإذا قام المرء للصلاة، وهو يعلم أنها صلاة الظهر مثلًا، فقصدَ أن يصليها وأقبل عليها، فقد أتى بالنية، ولا يجب -بل ولا يشرع- أن يقول بلسانه نويت أن أصلي صلاة الظهر حاضرة | وقد ظهر هذا المعنى العظيم في موقف خالد بن الوليد عندما كان يبارز أحد الكفار في غزوة من الغزوات فكسر سيف الكافر، فلم يجد مفراً من خالد إلا أن بصق في وجهه فأدخل خالد رضي الله عنه سيفه في مغمده، فسأله بعض الجند لم فعلت ذلك؟ ولم تقتله، وقد بصق في وجهك! أَمَّا الْأَصْلُ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ، فَإِنْ نَوَى الرِّيَاءَ صَارَتْ مَعْصِيَةً |
---|---|
فيكون في قمة سعادته عندما يرى أنه يمازح أهله ومع ذلك يؤجر على فعله هذا | إن قام لله، وإن قعد قعد لله وبإرادة الله، وإن استعان استعان بالله، وإن سكن اطمأن بالله، وإن سأل سأل الله، وإن عمل عمل لله، وإن أعطى أعطى لله وعلم أن المال من الله رزقه به وأمره بإنفاقه في وجوه الخير |
وإن كان البعث على العمل الرياء، ثم عرض له أن يحول نيته لله تعالى، فهذا لا يحتسب له الثواب على هذا العمل، إلا من وقت تحويله النية لله.
15فتنقلب معه الطاعات إلى معاص بفساد هذه النية | فاستيقاظه لصلاة الفجر رضا من الله، واستعداده بالوضوء للصلاة توفيق من الله، ودخول المسجد لأداء الصلاة رحمة من الله به |
---|---|
ويرد الأعمال التي لا يبتغي بها وجهه وإن كثرت | لقد أمر الإسلام بزيارة المريض،وتشميت العاطس،ونصر المظلوم،وصلة الرحم،وإبرار المقسم،وإجابة الداعي، واتباع الجنائز،فإذا ما شارك المسلم في هذه الأمور صار فعالاً في مجتمعه،وحصل على الخير، وأفاد الناس بأخلاقه الطيبة، واستفاد ودهم،وحبهم له،وحظى برضا الله رب العالمين |
حديث عظيم الشأن جليل القدر لا من جهة دلالته على فرضية النية في الوضوء أو عدم دلالته، وإنما من جهة ما يبين للناس الأسس التي تحوز به أعمالهم المشروعة- وضوءًا أو صلاة، زكاة أو حجًّا، صومًا أو إرشادًا- درجة القبول عند الله، ويبين لهم أن هذا الأساس ليس من الشئون التي تخرج عن طوق الإنسان وقدرته، أو تعزب عن إدراكه وتقديره.
19