فقال له عمر: أما إذا قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه؛ فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزمْ ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانجُ عليها | الهجرة النبوية الشريفة خلال دراسة سيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً تجاوز الخطوة الأهم في تاريخه الشريف على وجه التحديد، وتاريخ الإسلام ككل إلى قيام الساعة، فالهجرة النبوية الشريفة ليست حدثاً عادياً يمكن تجاوزه بهذه البساطة، بل هي حدث يحمل في طياته العديد من المعاني الجليلة، والقيم الراسخة التي يجب الوقوف عندها والاستفادة منها |
---|---|
وخرج عياش وأخواه أبو جهل والحارث بن هشام إلى مكّة، حتى إذا ابتعدوا عن المدينة دبر الأخوان الكافران خدعة وأمسكا بعياش وقيداه بالحبال، ودخلوا به مكّة موثقًا، ثم قالا لأهل مكّة: يا أهل مكّة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا | فلقد ظلت طائفة من بني إسرائيل من المؤمنين تحت جميع الظروف والأحوال، فكان خطابهم لموسى على النحو التالي: قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ 129 وظلت طائفة منهم مؤمنة بربها، صابرة على الأذى حتى بعد أن رفع المسيح عيسى ابن مريم إلى ربه |
فتحركت النخوة في قلب الرجل المشرك، وأظهر مروءة عالية وقال لها: والله لا أتركك أبدًا حتى تبلغي المدينة.
مع أن الهجرة للزواج ليست محرمة، ومع أن الهجرة لإصابة الدنيا الحلال ليست محرمة، لكن هذه هجرة ليست كالهجرة لبناء أمة إسلاميّة | كما إنّ من أبرز دوافع الهجرة؛ الحاجة لتكوين دولةٍ إسلاميّةٍ، وإقامة أسسها؛ إذ إنّ عالميّة رسالة الإسلام لا تتحقّق داخل نطاقٍ ضيّقٍ بين قبائل قريش، خاصّةً في ظلّ رفض قريش ومعاداتها للدعوة ونشرها، فكان لا بُدّ من تأسيس كيانٍ اجتماعيّ تحت نظامٍ سياسيّ، في نطاقٍ ومحيطٍ آمنٍ، على هيئة دولةٍ تحفظ أمن ساكنيها، وتكفل للدعوة الحقّ في الانتشار، وبذلك تتحقّق عالميّة الإسلام المتمثّلة في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ |
---|---|
وفوق كل ذلك فالطامَّة الكبرى لو آمن اليهود، وانضمَّت قوَّتهم إلى قوَّة المسلمين، وقد كان اليهود ذوي قوَّة كبيرة عسكريًّا وماديًّا، والعقل كان يُرَجِّح إسلام اليهود؛ لأنهم أهل كتاب ويُؤمنون بالأنبياء، غير أن اليهود لا عقل لهم! لذا، نحن نتجرأ على الظن بأنه لو جاء خروج محمد من مكة بطلب من ربه لتبع ذلك على الفور عذاب إلهي شديد يحيق بالذين كفروا | سبب هجرة الرسول الى المدينة يوجد عدة أسباب خلف الهجرة النبوية، حيث أن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه للانتقال من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ويمكن ذكر هذه الاسباب في النقاط التالية: أولاً: اضطهاد قريش للمسلمين في مكة منذ أن قام الرسول صلى الله عليه وسلم بنشر دعوة الاسلام، بدأ عدد كبير من الناس يدخلون الإسلام، ولقد قلقت قريش حيال ذلك، حيث لاحظت أن عدد المسلمين بدأ في الزيادة، وبالتالي شعرت أن هناك خطر على مصالحها الدينية والاقتصادية، مما جعلها تقيم العداوة والظلم على المسلمين، حتى اشتد ايذاء قريش عليهم، ولقد وصل الأمر للاعتداء على الرسول صلى الله عليه وسلم، خاصة عندما ذهب للطائف لاقى هناك أنواع من الرفض والاعتداء، فرفع الرسول يشكو لربه حاله ويناجيه حتى يفك كربته |
فينزل الله تعالى قوله على رسوله الكريم بأن لا يذهب نفسه عليهم حسرات: أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ 8 وهنا نحن نتخيل يجد محمد أن دعوة قومه كادت أن تصل إلى خط النهاية، كما حصل مع جميع من سبقه من رسل ربه نوح وهود وصالح وشعيب ولوط.
1لكن — بالمقابل - إذا وصل الأمر إلى حد أن لا يكون في القوم بعد من هو من المستغفرين، وأنه لن يكون بين القوم بعد من سيؤمن بدعوة الرسول، وأن القوم سيجمعوا أمرهم على إخراج النبي من قريتهم، فإن الطلب الإلهي لا محالة قادم إلى الرسول بأن يخرج من القرية لينزل الله بها العقاب الأليم | أسباب هجرة الرسول من مكّة إلى المدينة أسبابٌ متعلّقةٌ بموقف قريش لم تكن أُولى حركات الهجرة متمثّلةً بهجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ؛ فقد سُبقت الهجرة إلى المدينة بهجرة بعض المؤمنين الأوائل من الصحابة -رضي الله عنهم- من مكّة إلى الحبشة، وكان ذلك بأمرٍ من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ نظراً لاشتداد أذى المشركين في مكّة عليهم، ولم يكن لهم من يحميهم من أذى ، بينما كان رسول الله في حماية عمّه أبي طالب، لذا فإنّ من أعظم أسباب ودوافع الهجرة سواءً إلى الحبشة ومن بعد إلى المدينة المنوّرة؛ حماية أنفسهم من إيذاء المشركين الذي مسّ الصّحابة رضي الله عنهم، فقد تعرّض كثيرٌ منهم إلى التعذيب الجسديّ في سبيل دين الله -تعالى- والثّبات عليه، فعُذّب بلال بن رباح رضي الله عنه، وأُلقي في الصحراء في شدّة الحرّ، وعُذّب آل ياسر رضي الله عنهم، ووعدهم رسول الله لقاء صبرهم بالجنّة، وعُذّب كثيرٌ من المسلمين غيرهم |
---|---|
وعن ابن عباس ب أنه قال: «كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ» | ثم انتظروا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ» رواه البخاري |
فكيف سيتصرف محمد الآن وهو يعلم يقينا أن الخطر الداهم لا محالة نازل بهذه القرية وأهلها؟ رأينا: في خضم تلاطم هذه الأحداث المتسارعة، يجد محمد أن ساعة الصفر قد اقتربت، وأن النهاية لا محالة وشيكة جدا، وأن الفئة الكافرة التي تمكر به في ازدياد، وأن إجماع القرية كلها على إخراجه قد بات وشيكا، وأن الوحي الإلهي لا محالة قادم إليه ليطلب منه الخروج بمن آمن له من هذه القرية، لينزل بها رسل ربه العذاب الأليم، في خضم مجريات هذه الأحداث اختار محمد نبي الرحمة نحن نتخيل ونفتري أن يهرب من القرية بأكملها، فلا يدع الرحلة تصل إلى خط النهاية سريعا، ولا يدع الخاتمة لتكون كارثية بعد وقت قصير.
5