تفكّر الفلسفة في نوعٍ من الكونيّة التي يحلو فيها العيش معاً، فالعالم الكبير الذي يجمع الإنسانية كافّة لا ينبغي أن نودعه بأيدي دعاة الهويّات أو الأصوليات؛ لأنّ ذلك لا يؤدّي إلّا إلى صدامٍ بين الهويّات | وإنَّ شعبًا لا يتقن احتضان مبدعيه ومحبَّتهم غير قادر على انتماء إيجابي وصحِّي إلى الإنسانية الكونية |
---|---|
وثانياً: ينبغي أن نرسي حريّة الإبداع على نحو مغاير | تقول هذه القراءة: ليس الإرهاب ظاهرةً تأتينا من الماضي؛ بل هي ظاهرة ولدت مع الحداثة نفسها، في معنى أنّ الحداثة بما تمتلكه من ترسانة تكنولوجية، وبقيامها على مجتمعات الاستهلاك، وقد فرضت على البشر شكلاً آخر من الحياة، فحولتهم إلى أفراد هشّين سلبيّين واستهلاكيّين ونرجسيّين، لقد أصيب كلّ الأفراد، في ظلّ الإمبريالية العالمية، بنوعٍ من الهشاشة الوجودية، وصاروا أفراداً سلبيّين، يستهلكون فقط، ويتحمّلون ما يمكن أن تفرضه هذه المنظومة العالمية تحت راية الحداثة، وعليه تؤوّل هذه القراءة الإرهاب بوصفه جزءاً من أجندات عالمية، وليس مجرّد عطبٍ في الذاكرة العربية الإسلامية |
وتساءلت: "كيف للفنّ أن يقاوم ثقافة الموت"، مؤكدة في الوقت نفسه أنّ "المطلوب ليس مقاومة الإرهاب من جهة كونه تنظيماً عسكرياً"، ذلك أنّ "التنظيمات الإرهابية هي تنظيماتٌ عسكريةٌ حربيةٌ، ولا يمكن للفنّ أن يشنّ حرباً على أيّ كان، كونه منظومةً رمزيةً، أو نشاطاً رمزياً لا يملك أيّة ترسانةٍ حربيةٍ".
أن تُحبّ يعني أن تبني عالماً جديداً، تخترع فيه ذاتيّةً غير الذاتيّة القائمة على الأنانيّة والنرجسية وعلى التملّك إنّ الإنسانية الحديثة لم تفعل شيئاً آخر غير محاولة إرساء هذا الشعار الذي يدفع بالشعوب إلى التحرّر، والخروج ممّا يسمّيه كانط حالة القصور العقليّ، وهي الحالة التي تنزل بالبشر إلى مرتبة الرعاع بجعلهم تحت الوصاية الدينية أو السياسية | أمّا القسم الثالث من الكتاب؛ فقد كان حول "إيتيقا المقاومة" التي تتّخذ من الحبّ حقلاً للمقاومة في معنى استعادة مشاعر الفرح والحب والسعادة، لإعادة مشاعر الفرح إلى العالم- على طريقة ما كتبه آلان باديو أو بول ريكور- الفنّ: هو خلقٌ لقيم الحبّ والفرح، وهو وعدٌ بالسعادة أيضاً |
نحن لا نحتاج إلى الخبز فقط بل نحتاج إلى الحرية من أجل عيش كريم.
أمّا المعنى الثاني للمواطنة فيتحدّد ضمن القول: إنّ للفنّ رسالة مواطنيّة، تحمل قيم الحرية، وقيم العيش معاً، وقيم المحبّة، وقيم الانفتاح على الآخر، وقيم قبول الآخر، والمشاركة، وقبول الاختلاف، فكلّ الأحداث والآثار الفنية تدافع عن قيم معيّنة، وليست مجرّد موضوعات أو منتوجات للبيع أو للاستهلاك، إنّها تحمل رسائل مواطنية، وتشارك في بناء المجتمع المدنيّ، الذي يساهم الفنّ في بنائه، بخلقه مشاعر "المشترك" بين الجماعة، وانتصار للحياة ضدّ ثقافة الموت | نحن نعلم ذلك فعلاً، لكن- فلسفيّاً- ثمّة فروق أو لطائف nuance بين الدين والمقدّس، نقصد أنّ تنظيم الدولة أو التنظيمات الإرهابية ربّما تستثمر في حقل الدين تحت راية الإسلام، أو وفق شكلٍ مصطنعٍ أو متخيّلٍ من الإسلام، أو وفق شكلٍ من الإسلام يُشرّعون له بطريقةٍ أو بأخرى، في سياق الفتاوى والدّعاة التابعين لهم، وفي ضربٍ من تشويه نواته الأولى، وتحريف الرسالة، أو شيءٍ من هذا القبيل |
---|---|
أمّا بالنسبة إلى القرن العشرين؛ فقد حدث منعرجٌ جديدٌ، ولد المقدّس في تاريخ الأديان مع أوتو ومع ميرسيا إلياد، وقد صاغه هيدغر بشكلٍ وجوداني، وتحدّث عنه هولدرلين في "الخبز والنبيذ" كذلك، لماذا الشعراء؟ حينما غابت الآلهة، صار الشعراء يحرسون المقدّس | هذا المقال هو الفصل السادس من القسم الأول، تحت عنوان "الضحك والإرهاب" أو "في الرسوم القاتلة"- دفاعاً عن الفنانين، ولا عن الإرهابيين، وحاولت أن أجد مسافةً نقديةً عمّا وقع في الحقيقة؛ أوّلاً: لا ينبغي أن نسخر من مقدّسات الشعوب، فثمّة الكثير من الموضوعات التاريخية والسياسية القابلة للسخرية، ويمكن أن نسخر منها بعيداً عن مقدّسات الشعوب |